ثم كانت سنة 68، قبلها وبعدها بقليل اتى طلبة الجامعات امرا خطيرا، وما فهمه وقتها هو انهم مشاغبون، ويتطاولون ولا يذكر على من يتطاولون، كلمة "اليسار" تطوف حول الجميع ويتظاهر الجميع بفهمها، من وقتها الى الآن... ثم وفي السنة التي بعدها، والتي بعدها ايضا، عاد الطلبة الى عهدهم باثارة الاحاديث عن اعمالهم وانتشرت اخبارهم، واكثر من تحدّث عنهم من جملة من كان حوله وقتها هو الامّي الوحيد في العائلة الكبرى، وهو أحد اصحاب الهيبة/والمال/ في العائلة الكبرى، واعجبه وقتها على اميّته اهتمامه باشياء فيها من المعقّد الكثير، المعقّد عليه في امّيته وعلى غيره من المتعلمين ايضا... هو /الامّي من الكبار/ على الاقل حاول ان يفهم واهتم بالامر خلاف المتعلمين من البقيّة، يذكر انه كان يتلذذ نطق بعض الاسماء من زعماء الطلبة الذين ذاع صيتهم لسوء حظهم، وقتها، وكان يتلذذ ويتلذذ ويعرض ويستعرض نطق الكلمات الجديدة عليه، نطقا تقريبيا جدا طبعا، يكاد لا يعرف له الطالب الجامعي اسمه او اتجاهه السياسي وموقعه من الخلطة-العجنة الكبرى، ولكن ذلك ما كان يفسد عليه متعة الجولان في عالم جديد عليه، عالم هو فيه غريب يتيم، اعمى... كل معلوماته عن سيرة الطلبة وحروبهم المتواصلة مع البقية كانت تصله من الامي الوحيد في العائلة، وكان يخلط وقتها بين ما كان يصدر عن الطلبة في فرنسا وما كان يصدر عن الطلبة في تونس، كما كان يخلط ما بين فرنسا وتونس في امور كثيرة... اما عمّا اقترفه حكّام تونس (شخص واحد) في حق الطلبة في تونس (معتقلات التعذيب) فما كان يدور في الاحاديث، كانت الحكاية تشبه لعب الورق بدون قمار على مال، حيث انك لا تخسر الا شكليا، وذلك بعد ان انزل الكبار ستارا على الدهاليز والمحاكمات فالدهاليز بعد المحاكمات... ميسر دون اليسار... كل هذا الكم من المعلومات، مع نسبيتها وتفرقّها واهترائها وغربلتها وكذبها طبعا، جاء من الامي الوحيد في العائلة من الرجال، فكل النساء اميّات باستثناء والدته، التي كانت ايضا تجهل العربية جهلا تاما وتجهل منها حتى حروف الهجاء وبالمقابل، كانت تتقن الفرنسية الكلاسيكية جيدا وتكتبها لسبب مجهول بحروف كبيرة عملاقة، جملة ونصف في صفحة، جملتان على الاكثر وانتهتْ الصفحة... ثم وبعد سنين قليلة فهم من كان حولها السبب: ضعف بصرها في سن مبكرة وحفظت سرّها، وهل كانت ستبوح هكذا بشيء من مشاكلها!... ثم ظهرت لها نظّارات ولكن.. تركتْ كتابة اي شيء اذ صار اولادها يكتبون عنها ان هي احتاجت ذلك... تذكّر سيرتهم، سيرة الطلبة واعمالهم، تذكرهم لما نام اول ليلة على الاسمنت لما صار طالبا... وحان وقت قطافه كالبقية... ما مرّ عام والبلاد ليس فيها طلبة مساجين... بضاعة يمكن ان تسوّق للسواح، كما "الرباط" و"حمّامات انطونيوس" في قرطاجة، اصالة قديمة... كاد ينقرض من العالم منظر الطلبة المساجين، بل انقرض فعلا... انقرض من العالم المسكين ممكن، اما عندنا، فلا! ابدا! كل عام ونحن بخير... وكل عام نهتف: الحرية للطلبة المساجين!
بطاقات بريدية بصور الطلبة المساجين يمكن ان تباع للسواح حتى يعرف السواح انهم في بلد حفظ آخر التقاليد القديمة من العهود السحيقة... ماركينيتغ العولمة يتتطلب ذلك...
افهم لماذا تركتْ بعد الحروف الفرنسية الغليظة، تركت نظاراتها والتلفزة، وتتظاهر بالسهو النسيان، وهل كانت ستبوح هكذا بالبعض من الدمامة التي تحيط بها؟... تصمتُ كالعادة... كل عام ونحن بخير وفي المرتبة الاولى ابدا!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire